ثغرة هروب غير آمن.. حزب الله في فخ «عميل بدائي»

اعتقد أن تجنب استخدام وسائل الاتصالات عالية التكنولوجيا سيمنحه هروبا آمنا ولم يخطر بباله أن الأجهزة البدائية يمكن اختراقها -كذلك-.

هذا ما حدث لحزب الله في لبنان، هناك حيث تحولت أجهزة اتصالات لاسلكية تستخدمها عناصره إلى قنابل انفجرت بشكل متزامن، على مدار يومين، لتبعث برسالة مفادها أن لا شيء عتي عن الاختراق.

وفي فبراير/شباط الماضي، قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إن إسرائيل تستخدم شبكات الهاتف المحمول لتحديد مواقع عملائه.

وحينها، أضاف في خطاب تلفزيوني: "تسألونني أين العميل؟ أقول لكم إن الهاتف الذي بين أيديكم وأيدي زوجاتكم وأطفالكم هو العميل".

وتابع: "ادفنوه. ضعوه في صندوق حديدي وأغلقوه".

وبالفعل، «دفن» حزب الله الهواتف الذكية تجنبا للتكنولوجيا العالية، ولم يدر بخلده أن الضربة ستأتيه من أجهزة أقل تطورا بكثير.

وانفجرت مئات من أجهزة "بايجر" والاتصال اللاسلكي التي يستخدمها عناصر حزب الله في كل أنحاء لبنان، في هجومَي الثلاثاء والأربعاء اللذين أسفرا عن مقتل 37 شخصا وإصابة حوالي ثلاثة آلاف آخرين.

 ماذا حصل؟ 

انفجرت الثلاثاء مئات أجهزة من نوع «بيجر» التي كانت في حوزة عناصر من حزب الله بشكل متزامن في معاقل للحزب في ضاحية بيروت الجنوبية وشرق لبنان وجنوبه.

وأسفرت تلك الانفجارات عن مقتل 12 شخصا على الأقل، بينهم طفلان، وإصابة حوالي 2800 آخرين.

والأربعاء، وقعت موجة ثانية من الانفجارات طالت هذه المرة أجهزة اتصال لاسلكي، في معاقل للحزب أسفرت عن مقتل 20 شخصا وإصابة أكثر من 450 آخرين.

وأظهرت مشاهد التقطتها وكالة فرانس برس أشخاصا يركضون للاحتماء عند وقوع انفجار خلال تشييع عنصر في حزب الله جنوب بيروت، قتل في اليوم السابق بانفجار جهاز "بيجر" كان يحمله.

وأصبحت لدى حزب الله مخاوف بشأن أمن اتصالاته بعدما قُتل عدد من كوادره في ضربات إسرائيلية في الأشهر الأخيرة.

لكنّ طبيعة الهجمات أثارت أجواء من الهلع، ليس في معاقل الحزب فحسب بل أيضا في كل أنحاء لبنان.

ماذا قالت إسرائيل؟ 

حتى الآن، امتنعت إسرائيل عن التعليق على الانفجارات.

لكن قبل الموجة الأولى، أعلنت تل أبيب الثلاثاء توسيع أهداف الحرب المتواصلة منذ أكثر من 11 شهرا ضد حركة حماس في قطاع غزة، لتشمل تأمين المنطقة الحدودية الشمالية مع لبنان بشكل يضمن عودة الإسرائيليين إليها.

وعقب الهجوم التي شنّته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعهدت إسرائيل بإعادة عشرات الرهائن الذين احتجزتهم الحركة و"القضاء" على حماس.

ومنذ بدء الحرب في قطاع غزة، تشهد المنطقة الحدودية بين الدولة العبرية ولبنان تبادلا شبه يومي لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، حليف حماس، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين في كلا الجانبين.

وأعلن وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت الأربعاء أن "مركز ثقل" الحرب "ينتقل إلى الشمال"، في إشارة إلى الجبهة المفتوحة مع الحزب في موازاة الحرب المستمرة مع حماس في قطاع غزة.

كيف جرى التنفيذ؟

كشفت معطيات أولية لتحقيق تجريه الدولة اللبنانية في انفجارات أجهزة "بيجر" تابعة لحزب الله الثلاثاء أن الأجهزة كانت مبرمجة سابقا وتحتوي على مواد متفجرة، كما أفاد مصدر أمني لوكالة فرانس برس.

وعلى منصة إكس، كتب تشارلز ليستر الخبير لدى معهد الشرق الأوسط يقول إنه "وفقا لتسجيلات الفيديو... من المؤكد أنه تم إخفاء عبوة بلاستيكية متفجرة صغيرة بجانب بطارية يتم تشغيلها من بعد عن طريق إرسال رسالة".

وقال مصدر مقرب من الحزب لفرانس برس إن "أجهزة الإشعار (بيجرز) التي انفجرت وصلت عبر شحنة استوردها حزب الله مؤخراً تحتوي على ألف جهاز"، يبدو أنه "تم اختراقها من المصدر".

وأعلنت شركة غولد أبولو التايوانية الأربعاء أن أجهزة بيجر التي انفجرت من صنع شريكها المجري، لكنّ بودابست أعلنت أنّ شركة "بي ايه سي" التي قُدّمت على أنها تنتج أجهزة الاتصال المستخدمة من حزب الله، هي "وسيط تجاري بدون موقع إنتاج أو عمليات في المجر".

وأوردت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الخميس أن الشركة في بوداسبت "كانت في حقيقة الأمر جزءا من واجهة إسرائيلية"، استنادا إلى ثلاثة مسؤولين في الاستخبارات اطلعوا على العملية.

وأوضح المسؤولون أنه تمّ تأسيس شركتين وهميتين أخريين "لإخفاء الهويات الحقيقية للأشخاص الذين يصنعون أجهزة بيجر: ضباط استخبارات إسرائيليون".

وأشارت الصحيفة إلى أن الشركة "كان لها زبائن عاديون، وأنتجت لصالحهم أجهزة بيجر عادية. لكن الزبون الوحيد الذي كان يهمها هو حزب الله"، مضيفة بأن الأجهزة التي تمّ تصدريها لصالح الحزب "زودت بطاريات ألصقت بها شحنة" متفجرة.

وأفادت نيويورك تايمز بأن هذه الأجهزة بدأ شحنها إلى لبنان في صيف 2022.

من جهتها، قالت شركة آيكوم اليابانية الخميس إنها أوقفت قبل حوالي عشر سنوات، تصنيع طراز أجهزة اللاسلكي التي فجرت في لبنان الأربعاء.

هل إسرائيل وراء الهجومين؟ 

قال بعض الخبراء ووسائل إعلام إسرائيلية إن الهجوم الذي طال أجهزة "بيجر" يحمل بصمات الموساد، وكالة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية المسؤولة عن العمليات الخاصة، مثل عمليات القتل الانتقامية مطلع السبعينات التي استهدفت الأشخاص الذي كانوا وراء مقتل 11 رياضيا إسرائيليا في أولمبياد ميونيخ.

ووصف جون هانا من معهد "جويش إنستيتيوت فور ناشونال سيكيوريتي أوف أمريكا" الهجوم الذي طال أجهزة "بيجر" بأنه "عرض لافت جديد لبراعة الاستخبارات الإسرائيلية".

وأضاف أن الموساد أظهر "قدرة متكررة ليس على الاختراق العميق للشبكات الأكثر حساسية لألد أعدائه فحسب، بل أيضا على تنفيذ عمليات ذات دقة كبيرة وفتاكة كلما اختار القيام بذلك".

2024-09-19T14:42:44Z dg43tfdfdgfd