حزب الله وإسرائيل يعودان إلى قواعد "الاشتباك المنضبط" بعد هجومي الأحد

في اليوم التالي لرد حزب الله على اغتيال إسرائيل لأعلى قائد عسكري في صفوفه، فؤاد شكر، بدأت قناة المنار التابعة لحزب الله نشرتها الإخبارية الاثنين بعبارة أن الرد "يطوي صفحة من صفحات الصراع" بين حزب الله وإسرائيل.

وبالرغم من أن معركة السرديات هي التي طغت على ساعات ما بعد هجومي إسرائيل وحزب الله فجر الأحد، ولا تزال، إلا إنه بدا وكأن الطرفين أرادا طي تلك الصفحة التي أثقلت كليهما، وعدم التصعيد نحو حرب شاملة.

وكان الجيش الإسرائيلي قد قال الأحد إن طائراته قصفت بشكل استباقي الآلاف من منصات إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله في جنوب لبنان، بعد توافر معلومات عن أن استعداد الحزب لشن هجوم على إسرائيل.

فيما أكد حزب الله إطلاق قواته مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل بعد ذلك، في رد "أولي" على اغتيال أحد كبار قادته الشهر الماضي، مشيرا إلى أن خطة استهدافه قاعدة غليلوت القريبة جدا من تل أبيب لم يتم إحباطها كما تزعم إسرائيل.

وجاء هجوما الأحد بين حزب الله وإسرائيل في إطار تصعيد حاد مستمر منذ عشرة أشهر في ظل تبادل إطلاق النار بشكل شبه يومي عبر الحدود، الأمر الذي يثير مخاوف من اندلاع حرب شاملة بين الطرفين.

أين الحقيقة؟

"بهكذا مواضيع بالسياسة لا تهمّ الحقيقة،" بحسب د. جوزيف باحوط، رئيس معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت.

يقول باحوط: "المهم هو ما تريد الأطراف اعتباره حقيقة. حزب الله اعتبر أنه أخذ حقه، وإسرائيل عرفت أن الحزب قادر علي إيصال مسيّرات إلى تل أبيب، بصرف النظر عمّا إذا أصاب أم لا".

"من مصلحة الطرفين التكتّم على ما حدث بالفعل وأن يقول كل طرف إنه حصل على ما يريد،" بحسب باحوط.

وقد انسحب الخلاف على السردية على تقييم هجوم حزب الله. ففي وقت اعتبر مناصروه أن العملية تحمل أبعادا استراتيجية ودلالات مهمة عن قدرات الحزب العسكرية، سخّف معارضوه الهجوم لدرجة اعتبار أن لا تأثير له بتاتا.

وأظهر طول فترة انتظار رد حزب الله على مقتل شكر بوادر تململ في مزاج جمهور الحزب وبدأت تستثمر من قبل معارضيه للنيل من صورته.

وبحسب باحوط: "أنهى الحزب الموضوع بالتي هي أحسن".

لكن ما حدث يوم الأحد، وعلى اختلاف رواياته وتقييمه، أعاد الاهتمام إلى الجبهة الأساسية بين حزب الله وإسرائيل والتي لا تزال، إلى حد ما تخضع منذ أكثر من عشرة أشهر لقواعد اشتباك "معيّنة ومضبوطة".

وتصنف الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية وعربية حزب الله كـ"منظمة إرهابية"، فيما تعتبره الحكومات اللبنانية المتعاقبة "مقاومة شرعية ضد إسرائيل" التي لا تزال وبحسب الأمم المتحدة تحتل أرضا لبنانية.

إلى متى؟

مع مرور الوقت يُمتحن انضباط الجبهة وقواعد الاشتباك التي تصبح أكثر هشاشة.

وقد يكون هذا هو الأمر الأخطر على المدى المتوسط، بينما السؤال الذي في خلفية كل ما يحدث هو عن شكل منطقة الحدود بعد "حرب الإسناد"، تلك العمليات المسلحة التي تستهدف شمال إسرائيل من جنوب لبنان والتي يسميها حزب الله جبهة "إسناد غزة".

والمقصود هنا هو طبيعة وشكل السيطرة الأمنية على تلك المنطقة بما يرضي حزب الله ويطمئن إسرائيل، بشكل يساهم في عودة 60 ألفا من سكان الشمال لديها إلى منازلهم بعد نزوحهم بسبب الحرب الدائرة هناك٫ ينما على الجانب اللبناني تخطى عدد النازحين ال 110 ألفا.

ففي الوقت الذي يتحدث لبنان الرسمي عن تمسّكه بالعودة إلى قرار الأمم المتحدة رقم ١٧٠١ الذي وضع حدا لحرب تموز عام ٢٠٠٦ وكان الإطار المعمول به في جنوبي لبنان حتى بداية حرب غزة، فإن إسرائيل تقول إنها لن تقبل بالعودة إلى ما قبل الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

إلا أن هذه القضية الشائكة مؤجلة في الوقت الحالي، إذ ينصب التركيز الآن على التوصل لوقف لإطلاق النار في غزة كمرحلة أولى للحلّ، وعلى منع تصعيد كبير يؤدي إلى حرب شاملة، بحسب مراقبين.

في هذا الإطار قد يكون ما حدث أمس مؤشرا على أن كل الأطراف لا تريد "حربا شاملة"، وهو ما قد ينسحب أيضا على حسابات الرد الإيراني وردّ الحوثيين أيضا.

وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قد توعد إسرائيل إثر اغتيال شكر، قائلا إن "إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء، ورد المقاومة على الاعتداء على الضاحية واغتيال فؤاد شكر أمر محسوم".

يوضح باحوط "أنه كان يُمكن لنتنياهو أن يستخدم هجوم الأحد مبررا أو عذرا لشن حرب لو كانت لديه النيّة والاستعداد لذلك، لكن الواضح أن مختلف الأطراف، الولايات المتحدة وإيران وحزب الله وإسرائيل، يخشون جميعا الحرب الشاملة".

وقتل شكر في غارة إسرائيلية استهدفته في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث يتمتع حزب الله بنفوذ كبير وتبنت إسرائيل مسؤولية قتله. وبعدها بأقل من 24 ساعة قتل رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية داخل مقر إقامته في طهران وسط اتهام إيران وحماس لإسرائيل باغتياله رغم عدم تبني إسرائيل العملية.

أما بما يتعلق بتأثير ما حدث الأحد على استعادة حزب الله لتوازن ردع فقده بعد اغتيال إسرائيل لشكر خارج منطقة الاشتباك، فهذا يبقى رهن تكرار إسرائيل لاستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت ، وهو إن حدث، فقد يشكل حينها فصلا جديدا بحسابات وتحليلات جديدة.

2024-08-26T18:21:36Z dg43tfdfdgfd