حقائق من داخل السودان

حدثني صديق سوداني نازح للتو من الكارثة الإنسانية في السودان ونقل لي هذه الحقائق.

قال: نحن أهل الشمال نختلف مع أهل الغرب أو أهل الجنوب، فعندما دخلت علينا قوات الدعم السريع الذين هم من غرب السودان، هربنا من بيوتنا، والمفاجأة أننا شاهدنا الجيش يهرب قبلنا والذي من المفترض أن يثبت ويحمينا، الجيش الذي أسس على حماية الدستور والبلاد والعباد بعيداً عن أي انتماءات مناطقية أو حزبية أو عرقية أو دينية، لكن للأسف الجيش مختطف من الأحزاب الإسلامية التي همها التشبث بالسلطة حتى لو زهقت الأرواح وخربت البلاد!

يقول محدثنا إن: الدعم السريع يضم خليطاً من جنسيات مختلفة ويحتلون بيوتنا في ظل غياب تام للأمن وهروب للجيش، مما اضطر معظم سكان القرى والمدن للاستسلام كلياً للتدخل السريع لحماية أرواحهم مقابل أي شيء يملكونه.

يضيف محدثنا: ليس هناك حل في الأفق القريب فنحن بين نارين؛ نار الجيش الذي هرب، ونار الدعم السريع الذي سيطر على أجزاء واسعة من السودان مدعوماً من الأحزاب المدنية.

محدثنا تابع أن: الأحداث الكارثية والإنسانية تؤدي إلى انفصال غرب السودان عن شماله بسبب الدماء التي سالت والكراهية التي سادت، والتي أعمت القلوب قبل العيون بسبب الصراع على السلطة، وهو تماماً كما حصل في سيناريو انفصال الجنوب، ولا توجد أي حلول أخرى مطروحة تبشر بخير ولا وساطات مقبولة للطرفين تعطينا بارقة أمل يمكنها أن توقف الكارثة الإنسانية.

يقول محدثنا: نحن نعول على الشرفاء من قادة ومشايخ والنخب السودانية بأن يتدخلوا لوأد الفتنة وإنقاذ الأرواح، وألا يصمتوا أو يهربوا عن الواقع، ويوجهوا اتهامات يمينا ويسارا ويتهمون دولاً خارجية! المشكلة في السودان مشكلة داخلية ويعرفها جميع السودانيين وأساسها التحالف في السلطة المتكون من الثلاثي؛ الجيش، والدعم السريع، والأحزاب المدنية اليسارية وهو تحالف هش، سرعان ما انهار وسقط عند أول استحقاق لاستقرار السودان، بسبب طمع كل طرف في الاستحواذ على السلطة.

يشير محدثنا إلى أن الأزمة الحالية في السودان لم تقتصر على الجانب الأمني والسياسي فقط، بل امتدت لتشمل جميع جوانب الحياة اليومية، بما في ذلك الاقتصاد.

فمع استمرار النزاع، انهارت الأسواق وتعطلت سلاسل الإمداد، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير. وأضاف قائلاً: "لقد أصبح الحصول على الغذاء والدواء أمراً صعباً للغاية، خاصةً في المناطق الريفية والنائية، حيث تعاني الأسر من نقص حاد في المواد الأساسية، وهو ما يفاقم من معاناتهم ويزيد من التحديات التي يواجهونها يومياً".

بالإضافة إلى ذلك، تحدث محدثنا عن الأثر النفسي والاجتماعي الكبير الذي تسببت به الحرب على السكان: "نشاهد الأطفال الذين فقدوا ذويهم، والنساء اللواتي تعرضن للعنف والنزوح القسري، مما يترك جروحاً نفسية عميقة. لم يعد هناك شعور بالأمان أو الاستقرار، وأصبح المستقبل مجهولاً ومليئاً بالمخاطر".

وأضاف: "هذه الأزمة لم تفرق بين أحد، فجميعنا، بغض النظر عن خلفياتنا أو انتماءاتنا، نشعر بالقلق والخوف من المستقبل".

وفي ظل هذه الظروف الصعبة، يتطلع السودانيون إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للمساعدة. يقول محدثنا: "نحن بحاجة ماسة إلى دعم دولي حقيقي وفعّال، ليس فقط لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، لكن أيضاً لدعم جهود السلام وإعادة الإعمار. يجب أن تكون هناك جهود مشتركة ومكثفة لإنهاء هذا الصراع وإحلال السلام في بلادنا". وأضاف: "نحن نأمل أن يلعب المجتمع الدولي دوراً أكبر في تحقيق الاستقرار في السودان ودعم الجهود الإنسانية".

إن الوضع في السودان لا يزال معقداً ومأساوياً، مع استمرار النزاعات الداخلية وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على السكان. هذه هي أزمة السودان الحقيقية، وأي محاولة للهروب إلى الأمام بتعليق تدمير ذلك البلد الذي يعد سلة غذاء عالمية بهذا الشكل عبر الكذب وإلقاء التهم جزافاً على الخارج هو أمر يزيد من معاناة السودانيين ويؤكد أن نظام الإخوان الذي بات يسيطر على الخارجية السودانية لا يهمه سوى السلطة. هذا النظام يستمر في خيانة السودانيين أكثر وأكثر عبر الإمعان في المتاجرة بدمائهم من أجل السلطة، وهذا ما يدينهم أمام شعبهم وأمام التاريخ الذي شهد على جرائمهم السابقة ويشهد على بشاعتهم الحالية.

ألم يأن لأنظارنا أن يكفيها الدمار الذي ألحقه جشع الإخوان في السلطة بالعديد من الدول العربية في هوجة ما يسم بـ«الربيع العربي». إن الحاجة إلى السلام والاستقرار أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وما لم يتم اتخاذ خطوات حقيقية نحو إنهاء النزاع، فإن الأوضاع الإنسانية ستستمر في التدهور، مما يفاقم معاناة الشعب السوداني بشكل لا يمكن تحمله. على القادة والمشايخ والنخب السودانية أن يتحدوا ويتعاونوا من أجل إنقاذ وطنهم وإعادة بناء مستقبل أفضل للجميع.

2024-06-22T23:55:51Z dg43tfdfdgfd