ستارمر يختبر صبر بوتين بـ«ستورم شادو».. هل يقنع بايدن؟

تحذير روسي من الخطوة التالية لحلفاء أوكرانيا، ضربت به بريطانيا عرض الحائط، بمساع لإرسال صواريخ «ستورم شادو» لكييف.

تلك المساعي حاولت بريطانيا ترجمتها على أرض الواقع، خلال لقاء جمع رئيس وزرائها كير ستارمر، مع الرئيس الأمريكي جو بايدن الجمعة، للتباحث فيما إذا يتعيّن السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ البعيدة المدى المقدّمة من الغرب ضد روسيا.

وكان الروسي فلاديمير بوتين حذّر الخميس من أن سماح الغربيين لأوكرانيا بضرب الأراضي الروسية بواسطة صواريخ بعيدة المدى، سيعني "انخراط دول حلف شمال الأطلسي في حرب مع روسيا".

إلا أن بايدن قال في معرض تعليقه على التهديدات الأخيرة التي أطلقها بوتين بشأن خطر اندلاع حرب بين روسيا وحلف شمال الأطلسي "لا أفكر كثيرا في بوتين".

تعزيز موقف أوكرانيا

ولطالما اعتبرت بريطانيا نفسها محفزًا للدعم العسكري لأوكرانيا من قبل حلفائها، فشحنتها لصواريخ ستورم شادو في عام 2023 مهد الطريق أمام الولايات المتحدة لإرسال أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش أرض-أرض - المعروفة باسم ATACMS . كما فتح قرارها في نفس العام بإرسال دبابات تشالنغر الباب أمام الولايات المتحدة وألمانيا لإرسال دباباتهما الخاصة.

وعلى النقيض من الولايات المتحدة، حيث تعهد الرئيس السابق دونالد ترامب باتباع نهج مختلف تماما تجاه روسيا عن النهج الذي تبناه بايدن، هناك دعم ملحوظ للحرب داخل بريطانيا.

وأعرب ستارمر عن دعمه للحكومة السابقة عندما تعهدت بزيادة المساعدات العسكرية في يناير/كانون الثاني الماضي، قائلا: «سنظل متحدين عبر أحزابنا السياسية في الدفاع عن أوكرانيا»، محذرًا من المشاكل التي تتفاقم «عندما تتهاون السياسة مع بوتين».

ويسعى ستارمر لإقناع بايدن خلال اللقاء بدعم خطته التي تقضي بإمداد أوكرانيا بصواريخ ستورم شادو البريطانية لتمكينها من ضرب عمق الأراضي الروسية، مع تزايد قلق الحلفاء إزاء الوضع الميداني للمعارك.

فهل يقتنع بايدن؟

قال محللون إن احتمال حدوث تغيير دراماتيكي في البيت الأبيض هو الذي دفع ستارمر إلى الجلوس في غرفة مع بايدن الآن. وقد اختار القيام بزيارة مدتها 24 ساعة إلى واشنطن، على الرغم من أنه يخطط للسفر إلى نيويورك في غضون أسبوعين لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ووفقًا لدبلوماسي بريطاني، فإن الجداول الزمنية المزدحمة كانت لتجعل من الصعب على ستارمر وبايدن الحصول على هذا القدر من الوقت الفردي في الأمم المتحدة.

وقال دبلوماسيون ومحللون إن الدعم الأمريكي الطويل الأمد لم يعد أمراً يمكن للغرب أن يعتبره أمراً مسلماً به، وإن الهدف النهائي لبريطانيا هو منح أوكرانيا أفضل فرصة للصمود في مفاوضات السلام المستقبلية مع روسيا.

ويقول مالكولم تشالمرز، نائب المدير العام لمعهد الخدمات الملكية المتحدة، وهي منظمة بحثية في لندن: «الناس في المملكة المتحدة يشعرون بتوتر شديد بشأن ما قد يفعله ترامب. ماذا يعني عندما يقول إنه يريد تسوية؟ ربما حتى هو لا يعرف».

كما غذت هذه المخاوف ــ من أن ترامب قد يروج لاتفاق سلام مع روسيا من شأنه أن يترك أجزاء كبيرة من أوكرانيا في أيدي الروس ــ التواصل الدبلوماسي البريطاني مع فرنسا وألمانيا.

وكانت برلين المحطة الأولى لوزير الخارجية لامي بعد توليه منصبه في يوليو/تموز الماضي، وسافر ستارمر للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز.

وتتعاون فرنسا مع بريطانيا في بناء نظام «ستورم شادو»، لذا يُنظَر إلى دعمها باعتباره مهما أيضا. وفي الفترة التي سبقت الحرب، عمل ماكرون بجدية أكبر من بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، لإيجاد حل دبلوماسي مع بوتين. لكن فرنسا أصبحت أكثر قوة في دعمها لأوكرانيا مع استمرار الصراع.

وقال تشالمرز إن «أحد الأسباب التي تجعل المملكة المتحدة تتمتع بعلاقات جيدة مع أوروبا هو أنها سوف تضطر إلى الاعتماد عليها في حالة غياب الأمريكيين».

فهل يعني ذلك أن موافقة بايدن هامة؟

قال محللون إن الحصول على موافقة بايدن على الشروط التي بموجبها ستحصل أوكرانيا على الضوء الأخضر لاستخدام صواريخ «ستورم شادو» البريطانية بعيدة المدى داخل روسيا، يعد أمرًا بالغ الأهمية، لأسباب رمزية وعملياتية: تستخدم الصواريخ بيانات الأقمار الصناعية وغيرها من التكنولوجيا التي توفرها الولايات المتحدة.

وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن الصواريخ أصبحت أول اختبار رئيسي للسياسة الخارجية لرئاسة ستارمر - وهو اختبار له آثار أمنية على أوروبا بأكملها، مشيرة إلى أن الهجوم الدبلوماسي البريطاني على روسيا وضع لندن في طليعة حملة أوروبية أوسع لدعم أوكرانيا، في لحظة من عدم اليقين السياسي العميق في الولايات المتحدة.

وقال بيتر ريكيتس، مستشار الأمن القومي البريطاني السابق: «نريد أن نتحرك مع الأمريكيين في هذا الشأن. نحن الآن في فترة لا يترشح فيها بايدن لمنصب، حتى يتمكن من التركيز بشكل كامل على إرثه. ويريد ستارمر الاستفادة من ذلك لتشجيعه على الذهاب إلى أبعد مدى ممكن بشأن أوكرانيا».

ولقد قلل المسؤولون البريطانيون من احتمال صدور إعلان فورًا بعد الاجتماع. لكن سلسلة التصريحات التي أدلى بها هذا الأسبوع وزير الخارجية أنتوني بلينكين ونظيره البريطاني ديفيد لامي - اللذان سافرا معًا إلى كييف، عاصمة أوكرانيا، للقاء الرئيس فولوديمير زيلينسكي - أشارت إلى أن التحول في السياسة كان على وشك الحدوث.

وقد أثار هذا بدوره تهديداً من جانب بوتين، الذي بدا وكأنه يشير إلى أنه سينظر إلى هذه الخطوة باعتبارها إعلاناً فعلياً للحرب. وقال وفقاً لوسائل الإعلام الرسمية: «هذا يعني أن دول حلف شمال الأطلسي ــ الولايات المتحدة والدول الأوروبية ــ في حالة حرب مع روسيا».

وبعد ساعات، وفي طريقه إلى واشنطن، رد ستارمر على تهديد بوتين قائلا إنه «لا يسعى إلى الحرب (..) روسيا بدأت هذا الصراع. لقد هاجمت أوكرانيا بشكل غير قانوني. يمكن لروسيا إنهاء هذا الصراع على الفور. أوكرانيا لها الحق في الدفاع عن النفس».

ويوم الجمعة، ألغت روسيا اعتماد ستة دبلوماسيين بريطانيين في موسكو ــ وهو الإجراء الذي اتخذته قبل شهر ــ على أساس تورطهم في أعمال تجسس وتخريب. ورفضت وزارة الخارجية البريطانية الاتهامات ووصفتها بأنها «لا أساس لها على الإطلاق»، مضيفة: «نحن لا نعتذر عن حماية مصالحنا الوطنية».

وفي مايو/أيار الماضي، طردت بريطانيا دبلوماسيا روسيا كبيرا في لندن، مدعية أنه ضابط استخبارات عسكرية «غير معلن»، وأغلقت العديد من المنشآت الدبلوماسية الروسية في البلاد.

تاريخ طويل من عدم الثقة

ورغم دعمه لأوكرانيا، أوضح ستارمر أيضًا أن بريطانيا لا تسعى إلى صراع مع روسيا، قائلا للصحفيين على متن طائرته يوم الخميس: «هذه ليست نيتنا على الإطلاق».

ولقد أكد وزير الدفاع البريطاني جون هيلي على ضرورة التزام الأوكرانيين بالقانون الإنساني الدولي في استخدام الأسلحة التي تزودهم بها بريطانيا. وهذا يتفق مع التأكيد الأوسع الذي توليه حكومة حزب العمال على أهمية القانون الدولي في الصراعات. وقد أعلنت الحكومة مؤخراً أنها ستعلق شحن بعض الأسلحة إلى إسرائيل، مستشهدة بمراجعة قانونية.

وقال هيلي في يوليو/تموز الماضي: «نحن نزود أوكرانيا بالأسلحة للدفاع عن سيادتها الوطنية. وهذا لا يمنعها من ضرب أهداف في روسيا، ولكن يجب على الأوكرانيين القيام بذلك. ويجب أن يتم ذلك في إطار المعايير وحدود القانون الإنساني الدولي».

2024-09-14T00:10:28Z dg43tfdfdgfd