عودة الإرهاب إلى مالي.. اختبار للجيش أم لعنة انسحاب فرنسا وأمريكا؟

ما بين تمرد الأزواد في شمالي البلاد وعودة الهجمات الإرهابية لعمق باماكو، يجد الجيش المالي نفسه تحت اختبار استعداده للسيطرة على الوضع

وأمس الثلاثاء، أعلن الجيش المالي إحباط هجوم إرهابي، استهدف مجمعا تابعا لقوات الدرك في باماكو، مؤكدا أن الوضع بات تحت السيطرة في العاصمة.

وأعلنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن هجوم نوعي وغير مسبوق منذ سنوات استهدف باماكو، حيث سيطر مقاتلوها مؤقتا على قسم من المطار الدولي.

ورغم إعلان هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة عن وقوع خسائر بشرية ومادية، إلا أنه لم تُنشر أية حصيلة دقيقة للخسائر البشرية، في سياق أوضاع أمنية متوترة وقيود صارمة مفروضة على تدفق المعلومات في بلد يحكمه المجلس العسكري منذ عام 2020.

زعزعة الأمن

هجومٌ يأتي في وقت يحاول فيه المجلس العسكري الانتقالي الذي يحكم مالي، إثبات قدرته على حماية البلاد من أية هجمات تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار، مستعينا في ذلك بقوات "فاغنر" الروسية، وإبرام اتفاقات أمنية وعسكرية مع دول مختلفة، في خطوة يقول مراقبون إنها لسد الفراغ الذي تركته القوات الأمريكية والفرنسية، بعد طردها من البلاد.

إضافة إلى تشكيل تحالف بين دول المثلث الساحلي الأفريقي (مالي وبوركينافاسو والنيجر)، لمجابهة كل التحديات الأمنية والعسكرية في البلدان الثلاث والتي شهدت انقلابات عسكرية في السنوات الأخيرة.

وأعلنت دول الساحل الأفريقي الثلاث التي باتت تخضع جميعها لحكم عسكري عقب سلسلة من الانقلابات منذ عام 2020، تعزيز علاقاتها بإنشاء "كونفدرالية دول الساحل"، وطلبت من القوات الفرنسية والأمريكية مغادرة أراضيها.

وخرجت الدول الثلاث من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، والتي فرضت من جانبها عقوبات عليها. وحتى اليوم ترفض تلك البلدان العودة إلى حضن التكتل الأفريقي.

ويجدد هجوم الأمس، تساؤلات حول مدى قدرة مالي ومعها النيجر وبوركينافاسو على مواجهة هذه التحديات الأمنية الآتية من "مثلث الموت" الحدودي بينهم من جهة ومن الأزوادييين في شمال مالي من جهة أخرى، أم أن الأوضاع الأمنية باتت أكثر تعقيدا بالمنطقة؟

الكاتب الصحفي المالي درامي عبد الله، يقول لـ"العين الإخبارية"، إن "الدرك وقوات التدخل السريع تمكنوا من السيطرة على الوضع في فترة قياسية".

مضيفا "بمجرد سماع الطلقات الأولى، استيقظ سكان العاصمة وشاركت وسائل التواصل الاجتماعي في تبادل الأخبار وطمأنة المواطنين على سيطرة قوات الأمن المالية على الأوضاع".

وتابع "حي مدرسة الدرك الذي استهدفه الهجوم شهد تطويقا أمنيا سهّل مهمة الجيش في البحث عن المجرمين المختبئين، علما بأن مدرسة تكوين رجال الدرك موجودة في منطقة حساسة جدا قريبة من المطار الدولي وإدارة الجمارك ومحكمة الاستئناف في الضفة اليسرى من العاصمة".

واعتبر عبدالله أن الهجوم "لم يحقق أهدافه المرجوة من قبل الجماعة الإرهابية"، وهو ما أكدت عليه وزارة الداخلية في مالي أيضا.

وشهدت مالي انقلابين عسكريين في أغسطس/آب 2020 ومايو/أيار 2021، ويحكمها حاليا مجلس عسكري برئاسة الكولونيل أسيمي غويتا.

كما جرت انقلابات في دولتين مجاورتين لمالي هما بوركينا فاسو والنيجر.

التفاف الجماهير

ورأى الكاتب الصحفي المالي أن تتابع الهجمات الإرهابية على مالي والساحل عموما وتزامنها مع إعلان الرئيس أسيمي غويتا إصدار جواز سفر جديد، وإنشاء بنك ساحلي يسهل المشاريع التنموية لدول الساحل، "يعني إصرار الجماعات الإرهابية على تنفيذ مخططاتها التخريبية".

ولفت إلى أن "الجماعات الإرهابية تحاول من خلال هجماتها تشكيك الجماهير في القدرة الدفاعية للجيش وفشله في إسكات بنادق الإرهاب".

مستدركا "لكن المفاجئ هو زيادة التفاف الجماهير حول القيادة العسكرية، واعتقادها الجازم أن تصاعد الهجمات الإرهابية يستوجب بقاء الجيش في إدارة البلاد لفترة طويلة". وأكد أن "الجيش مدعوم من الغالبية العظمى من الشعب وأنه جاهز ومتأهب لكل طارئ إرهابي يأتي من الخارج".

عملية قاتلة

في المقابل، وصف الكاتب الصحفي الموريتاني عبدالله إمباتي، العملية بـ"القاتلة" للجيش المالي وفاغنر.

وقال إمباتي لـ "العين الإخبارية" إن "هذه العملية أصابت في العمق المطار العسكري الذي تنطلق منه المُسيرات، والتي تعتبر جزءا أساسيا في محاربة الإرهاب".

وأشار إلى أن "جماعة النصرة استطاعت أن تدمر عددا من هذه الطائرات، وغرفة التحكم للمسيرات، واستطاعت أن تأخذ عددا كبيرا من السيارات".

وعليه اعتبر الكاتب الموريتاني أن العملية تعكس "مدى ضعف الجيش المالي وتحالف دول الساحل في التصدي لهذه العمليات، عكس ما كانت عليه أيام فرنسا عندما كانت تتولى الأمن بالبلاد" على حد قوله.

وتابع في هذا الصدد "عندما كانت فرنسا تتولى الأمور كان من المستحيل الوصول إلى باماكو، والآن الوصول إلى العاصمة سينقل الصراع إلى منطقة كانت آمنة لفترات طويلة وبعيدة كل البعد عن التوترات".

ونوه بأن هذا الهجوم تزامن مع "عودة متمردي الطوارق الانفصاليين بقوة في الشمال".

نتائج الانسحاب

ووفق الكاتب الصحفي الموريتاني، فإن الطوارق نفذوا ضربة على معسكر قريب من تمبكتو، ما ينبئ أن الحرب ضد الجهاديين والمتمردين انقلبت موازينها فجأة، وسارت تميل إلى صالح الطرف الآخر.

وأوضح أن "القوة التي يمتلكها الجهاديون والمتمردون قادرة على ضرب الجيش المالي وإلحاق خسائر كبيرة به".

وربما يتسبب ذلك في انهيار الدولة أو يدفع الجيش إلى المبادرة بتغيير رأس الحكم، ويحرك خلافا جديدا ضد النظام الحاكم الآن في مالي" يستطرد إمباتي.

وجدد الكاتب الصحفي تأكيده أن "ما يحصل هو نتاج انسحاب فرنسا وأمريكا اللتين كانتا توفران الحماية لمنطقة الساحل". وقال " ما نشاهده الآن هو نتائج هذا الانسحاب".

امتحان كبير

من جهته، رأى عبد المهيمن محمد الأمين مدير جامعة الميغلي الدولية بالنيجر أن الهجوم الذي شهدته باماكو والنشاط القوي لحركة نصرة الإسلام في البلدان الثلاث، يضع جيوش هذه الدول في اختبار كبير جدا.

وفي حديثه للعين الإخبارية، قال الأمين: "في السابق كانت القوات الفرنسية والأمريكية موجودة في هذه البلدان وتم طردها، على اعتبار أنها لم تكن تقوم بواجبها الحقيقي في تحقيق الأمن".

وأردف "الدول الثلاث أرادت الاعتماد على نفسها وتغيير الشركاء إلى روسيا وايران وتركيا وغيرها"، معتبرا أن هذه التغييرات "ستجعل دول المنطقة أمام امتحان كبير".

ولهذا، أكد الأمين أن "جيوش هذه الدول مطالبة بإثبات قدرتها على القيام بما وعدت بها وهو الدفاع عن أراضيها وشعوبها"، محذرا من أنه إذا لم تقم بذلك "فإن الأمر سيجعل مواقفها محرجة أمام شعوبها الذين يضعون الكثير من الآمال على جيوشهم".

وقال: " ينبغي أن تكون هناك عمليات من الجيش المالي ضد هذه الجماعات الإرهابية ليثبت أنه قادر على المواجهة"، ورأى أن "كونفدرالية الدول الثلاث تواجه الكثير من الأخطاء".

ونوّه بأن "الحركات الأزوادية بدأت تحصل على دعم من جهات أخرى مثل أوكرانيا، وأصبحت القضايا الأمنية بالمنطقة بها تدخل دولي، وكأنهم يريدون تحويل الصراع الدولي بين الغرب وحلفائه وروسيا وحلفائها إلى الفيدرالية الجديدة وخاصة في مالي"،

اتجاه خطير

وشدد الخبير النيجري على أن "الجماعات الإرهابية هي العدو الأول الذي يهدد أمن هذه المناطق، وإذا لم تحدث مواجهة هذه الجماعات بقوة ستكون هذه الدول في اتجاه خطير وهذا ما لا نتمناه".

مضيفا أن "هذه الهجمات ستؤدي إلى قلق الشعوب، وستثير التساؤلات حول مدى جاهزية هذه الجيوش لمواجهة هذه التحديات التي تقف أمامها".

وخلُص الأمين إلى أن هذه "صورة جديدة في المشهد ستضع الجيش المالي أمام تحديات كبيرة"، وأن "نصرة الإسلام من أقوى وأنشط الحركات في المنطقة، والدليل على ذلك أنها وصلت إلى حد العاصمة المالية".

مشهد قاتم، دفع الأمين للتساؤل: هل يستطيع الشركاء الجدد أن يقوموا بالدور المنوط بهم والمساعدة في هذه التحديات؟.

2024-09-18T06:27:13Z dg43tfdfdgfd