هاريس و«دراما غواتيمالا».. قصة دشنت خصومة النائبة وترامب

في منتصف شهر يناير/كانون الثاني، زار فيل غوردون، مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس الأمريكي، غواتيمالا لتسليم رسالة من كامالا هاريس إلى رجل يدين برئاسته للتدخل الدبلوماسي الأمريكي.

في ذلك الوقت، كان برناردو أريفالو دي ليون تم تنصيبه للتو رئيسًا جديدًا لغواتيمالا، على الرغم من الجهود التي بذلتها الحكومة المنتهية ولايتها على مدى أشهر لعرقلة الانتقال الديمقراطي للسلطة.

وتواجد غوردون، مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس الأمريكي، في غواتيمالا، لحضور حفل تنصيب أريفالو مع وفد من كبار المسؤولين الآخرين في إدارة الرئيس جو بايدن.

وفي الرسالة، هنأت هاريس، أريفالو، على فوزه ودعته إلى واشنطن لعقد اجتماع معها، وفقًا لنسخة اطلعت عليها مجلة فورين بوليسي.

لكن أهميتها الحقيقية كانت واضحة بين السطور. وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية شارك في المناقشات إن الرسالة كانت ”إشارة إلى أن الولايات المتحدة تقدم الدعم الكامل لأريفالو والانتقال الديمقراطي للسلطة في غواتيمالا“.

وتمت عملية التنصيب نفسها بعد منتصف ليل 15 يناير/كانون الثاني، بعد محاولة أخيرة دراماتيكية من قبل أعضاء حكومة غواتيمالا المنتهية ولايتها لوقف الإجراءات.

ولعب غوردون وأعضاء آخرون من الوفد الأمريكي دورًا أساسيًا في ضمان حدوث انتقال السلطة، بعد أن فرضوا عقوبات وقيودًا على تأشيرات الدخول، وقاموا بالتواصل مع سفارات أخرى للضغط على الرئيس الغواتيمالي أليخاندرو غياماتي لقبول نتائج الانتخابات الرئاسية والتنحي.

انتصار نادر

وتمثل عملية الانتقال الديمقراطي في غواتيمالا أحد أوضح الانتصارات لأجندة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتعزيز الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن كونها مثالاً نادراً على أن فريق الأمن القومي لنائبة الرئيس كامالا هاريس يلعب دوراً متميزاً ومباشراً في رعاية هذه العملية، وذلك وفقاً لمقابلات مع العديد من المطلعين على شؤون الإدارة الأمريكية وخبراء في أمريكا الوسطى.

وتقدم هذه القصة رؤى محتملة حول كيفية عمل فريق هاريس للسياسة الخارجية في حال فوزها في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني.

في حين أن المناورة الأمريكية لتعزيز الديمقراطية في غواتيمالا لم يلاحظها أحد نسبيًا في واشنطن، حيث يركز الناس إلى حد كبير على الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، إلا أنها كانت بمثابة انتصار سياسي، يتناقض مع إخفاقات في مناطق أخرى.

وفي جميع أنحاء غرب أفريقيا، فشلت الولايات المتحدة في وقف ”وباء“ الانقلابات الذي وجهه ضربة قوية للمصالح الأمريكية. 

وقالت مارييلوس تشانغ، المستشارة السياسية الغواتيمالية والأستاذة في جامعة ديل فالي في غواتيمالا: ”ربما كان اللاعب الرئيسي في تأمين هذا الانتقال لأريفالو هو المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة“.

وعندما أعلن بايدن انسحابه من السباق الرئاسي الشهر الماضي وتأييده لهاريس، كان أحد الأسئلة العديدة التي طُرحت حول نائبة الرئيس: ما هو الدور الذي لعبته في قضايا السياسة الخارجية؟

هنا، يقول العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين في جهاز الأمن القومي الأمريكي، إنه من الصعب تحديد المجالات التي تركت فيها هاريس وفريقها الصغير للأمن القومي بصمة - لكن غواتيمالا تمثل استثناءً.

دور هاريس بالبيت الأبيض

وأصبحت هاريس مسؤولة الإدارة الأمريكية عن منطقة المثلث الشمالي في أمريكا الوسطى لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة، وهي مهمة أصبحت فيما بعد نقطة جدل في الحملة الانتخابية، ومصدرًا لانتقادات الجمهوريين.

وبلغت مواجهات الهجرة على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة رقمًا قياسيًا في نهاية عام 2023، ولا يزال أمن الحدود والهجرة قضية رئيسية لكلا الحزبين في الحملة الانتخابية، لا سيما بالنسبة للجمهوريين.

وقال النائب الجمهوري عن ولاية تكساس، مايكل ماكول، الشهر الماضي: ”لقد منح الرئيس بايدن نائبة الرئيس هاريس وظيفة واحدة - ’قيصر الحدود‘ - وفشلت فشلاً ذريعاً“، مردداً اتهامات مماثلة من الجمهوريين، تتصدى حملة هاريس لها.

طوال فترة عملها كنائبة للرئيس، عملت هاريس وفريقها للأمن القومي بشكل وثيق مع حكومة غياماتي لمحاولة معالجة الأسباب الجذرية للهجرة من المصدر، حتى قبل الأزمة الانتقالية في غواتيمالا.

غواتيمالا هي أكثر دول أمريكا الوسطى اكتظاظًا بالسكان ومحور رئيسي لتدفق المهاجرين شمالاً نحو الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.

وكانت إحدى المبادرات الرئيسية التي عمل عليها فريق هاريس ومسؤولون آخرون في مجلس الأمن القومي مع غياماتي هي مبادرة ”مكتب التنقل الآمن“، لمحاولة إنشاء مكاتب في المنطقة، حيث يمكن للأشخاص تقديم طلبات اللجوء إلى الولايات المتحدة من بعيد أو التعرف على نظام الهجرة الأمريكي المعقد قبل الوصول إلى الحدود الأمريكية.

والتقى غوردون مع غياماتي لأكثر من تسع ساعات في إحدى رحلاته العديدة إلى غواتيمالا حيث ناقشوا هذه المقترحات، وفقًا لما ذكره مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية مطلع على هذه المسألة، لـ"فورين بولسي". 

 ثم فاز أريفالو في الانتخابات الرئاسية في غواتيمالا في أغسطس/آب 2023، بهامش مريح بعد تعهدات بحملة إصلاحات لمكافحة الفساد.

وقالت كاتي توبين، كبيرة مستشاري بايدن السابقة لشؤون الهجرة في مجلس الأمن القومي: ”في أعقاب الانتخابات، بدأنا نرى إشارات على أن إدارة غياماتي كانت تسعى إلى عرقلة نتيجة الانتخابات الحرة والنزيهة ومنع الانتقال السلمي للسلطة‘.

أمريكا تتحرك

ومن هنا، كان فريق هاريس في وضع جيد لإطلاق حملة الضغط على الحكومة المنتهية ولايتها لقبول نتائج الانتخابات. وجرى تنسيق الحملة أيضًا من قبل كبير الدبلوماسيين الأمريكيين في ذلك الوقت في غواتيمالا، باتريك فينتريل، ومسؤولين آخرين في وزارة الخارجية ووزارة الخزانة، وفقًا للمسؤولين المطلعين على الأمر.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الإدارة الأمريكية فرض عقوبات على مسؤولين غواتيماليين مرتبطين بالفساد. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، سافر غوردون، إلى غواتيمالا للقاء كل من غياماتي وأريفالو بشكل منفصل ”لتعزيز أهمية الانتقال الديمقراطي السلمي للسلطة“، وفقًا لما جاء في بيان البيت الأبيض في ذلك الوقت.

بعد أيام من زيارته، فرضت إدارة بايدن عقوبات على مسؤول غواتيمالي سابق آخر لدوره في ”الجهود المستمرة لتقويض الانتقال الديمقراطي للسلطة“.

ثم في 11 ديسمبر/كانون الأول، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن فرض قيود على تأشيرات الدخول على ما يقرب من 300 غواتيمالي من بينهم أكثر من 100 عضو غواتيمالي في الكونغرس ونخبة أخرى من رجال الأعمال بسبب ”الأعمال المناهضة للديمقراطية المستمرة“ التي سعت إلى عرقلة عملية انتقال السلطة.

وقال تشانغ: ”لقد بعث ذلك برسالة قوية حقًا إلى جميع السياسيين، مفادها أن الولايات المتحدة لن تنتظر لترى ما سيحدث“.

وأضاف أن "الغواتيماليين أولوا اهتمامًا وثيقًا بالحملة الدبلوماسية التي قامت بها الولايات المتحدة، ولا سيما كبير الدبلوماسيين الأمريكيين هناك".

ومضى قائلا إن دور هاريس الشخصي لم يكن واضحًا في غواتيمالا بنفس الطريقة التي كان عليها في واشنطن في المداولات الحكومية الداخلية.

وبدا أن الضغط بدأ يؤتي ثماره، وبدأ غياماتي ووكلاؤه في التراجع. ولكن ستكون هناك معركة سياسية دراماتيكية أخيرة، كان أعضاء فريق هاريس للأمن القومي في قلبها.

إذ أعلن بايدن في يناير/كانون الثاني أنه سيرسل وفدًا من ثمانية من كبار المسؤولين الأمريكيين إلى غواتيمالا لحضور حفل تنصيب أريفالو، بقيادة رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، سامانثا باور.

وضم الوفد أيضًا غوردون وتوبين، بالإضافة إلى براين نيكولز، مساعد وزير الخارجية لشؤون نصف الكرة الغربي.

أزمة اللحظات الأخيرة

لكن وضع المشرعون المعارضون لأريفالو في غواتيمالا، المزيد من العقبات، مما أدى إلى تأجيل الجلسة الخاصة للكونغرس "البرلمان" لإنهاء مراسم التنصيب، ما أثار مخاوف من حدوث انقلاب في اللحظة الأخيرة.

وتزايد اضطراب مؤيدي أريفالو الذين احتشدوا للاحتفال بتنصيبه ونفد صبرهم مع مرور الساعات، وفي نهاية المطاف اشتبكوا مع شرطة مكافحة الشغب وتجمعوا خارج مبنى الكونغرس.

تقاطعت المواجهة أيضًا مع الحملة الانتخابية الأمريكية، حيث سافر ريك غرينيل، أحد كبار المقربين من الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى غواتيمالا في الأيام التي سبقت التنصيب، وألقى بدعمه وراء الجهود الرامية إلى عرقلة صعود أريفالو إلى الرئاسة، كما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست".

وبحسب الصحيفة، دعم غرينيل المحافظين المتشددين الذين سعوا إلى عرقلة عملية الانتقال، وزعم أن مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية تحاول ”ترهيب المحافظين“ في البلاد.

وفي ذلك الوقت، برز غرينيل، القائم السابق بأعمال مدير الاستخبارات الوطنية والسفير السابق لترامب في ألمانيا، كأحد أكثر الأصوات تأثيرًا في حركة "MAGA" التي تقدم المشورة لترامب بشأن ترشحه لعام 2024.

في يوم التنصيب المقرر، دخل وفد بايدن في وضع الأزمة. يتذكر توبين: ”كنا في مقر إقامة السفير [الأمريكي]، لمدة تسع ساعات“.

وأضافت: ”كان مدير [الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية]، وفيل [غوردون]، والقائم بأعمالنا [فينتريل] يجرون جميعًا الكثير من الاتصالات مع الحكومة المنتهية ولايتها والإدارة القادمة“، و”ينسقون مع الوفود الأجنبية“ لحل للأزمة.

وأضافت: ”لقد وضعنا رسالة موحدة كمجتمع دولي هناك مفادها أننا كنا نتوقع من الحكومة الغواتيمالية أن تفعل الشيء الصحيح وتتمسك بالقيم الديمقراطية“. 

في النهاية، نجح ضغط المتظاهرين الغواتيماليين والمجتمع الدولي. وأدى أريفالو اليمين الدستورية بعد منتصف ليل 15 يناير بقليل..

بعد فترة وجيزة من التنصيب، أصدرت هاريس بيانًا ”تثني فيه على شعب غواتيمالا لإسماع صوته وتحقيق هذا الانتقال المهم“.

وحافظ فريق هاريس على اتصال وثيق مع أريفالو في الأشهر التي تلت ذلك؛ حيث التقت به على هامش مؤتمر ميونخ للأمن في ألمانيا في فبراير/شباط،

2024-08-29T08:04:25Z dg43tfdfdgfd