انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية يشير إلى "استياء ومقاطعة واسعة"

أثار انخفاض المشاركة في الانتخابات الرئاسية الرابعة عشرة في إيران موجة من التحليل والتفسير، حيث ألقى امتناع 60 بالمئة من الناخبين المؤهلين عن المشاركة بظلاله على العملية الانتخابية في جولتها الأولى وتأهل كل من المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ المتشدد سعيد جليلي لجولة الإعادة يوم الجمعة القادم.

وينظر منتقدو الحكومة إلى الانتخابات التي جرت على أنها استفتاء شعبي، وتعزو ردود فعل عديدة رفض البعض الذهاب إلى صناديق الاقتراع إلى عدم الرضا عن أداء النظام الحاكم في كافة المجالات، محملة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية المسؤولية، ويحثون السلطات للإصغاء إلى "الصوت العالي للثورة الصامتة".

فقبل عام 2021، لم تسجل نسبة إقبال الناخبين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية انخفاضا بأقل من 50 بالمئة على الإطلاق، فيما انخفضت نسبة المشاركة في انتخابات 2024 بشكل قياسي مسجلة 40 في المئة مقارنة بنسبة المشاركة في انتخابات2021 والتي سجلت 40 بالمئة.

ومن بين 61 مليون ناخب له حق الإدلاء بصوته، ذهب 24 مليونا إلى صناديق الاقتراع، ولم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية.

بزشكيان وجليلي يستعدان لجولة إعادة لحسم سباق الانتخابات الرئاسية الإيرانية

ما هي صلاحيات الرئيس في إيران؟

من الضروري الإشارة إلى أن بعض المحللين يعتقدون أن تزامن انتخابات البلديات لعب دورا كبيرا في زيادة نسبة المشاركة خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2021، وعموماً، تحفز القضايا الحضرية والمحلية والقومية الناس في البلدات الصغيرة على المشاركة في الانتخابات، حتى لو كانت دوافعهم أقل لاختيار الرئيس، لذا، عندما يكونون في مراكز الاقتراع، يميلون إلى التصويت في الانتخابات البلدية والرئاسية معا.

وبعد إعلان النتيجة النهائية، لم يذكر وزير الداخلية الإيراني نسبة المشاركة، بل اكتفى بتقديم تقرير عن العملية الانتخابية، وخلافا لما حدث في الماضي، لم يتحدث عن "إقبال كبير من جانب الشعب" لكنه شكر الجمهور على "مشاركتهم القيمة".

مع ذلك، يعتبر العديد من الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي حتى هذا المستوى من المشاركة مفبركًا وغير صحيح.

وتظهر منشورات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي أن الأصوات المعطاة لجميع المرشحين هي من مضاعفات الرقم ثلاثة، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الحكومة ربما ضربت جميع الأرقام بثلاثة لإظهار وجود مشاركة أعلى.

ومن الصعب التحقق من هذا الادعاء دون معرفة معدل المشاركة الفعلي، لكنه يشير إلى أن العديد يعتقدون أن الاهتمام بالانتخابات في إيران أقل حتى من الأرقام الرسمية المنخفضة بالفعل.

معنى الامتناع عن المشاركة

أكد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي مراراً وتكراراً قبل الانتخابات أن "كل صوت في الانتخابات هو صوت للجمهورية الإسلامية"، ومع ذلك، يفسر النقاد انخفاض نسبة المشاركة على أن أغلبية ساحقة من الناس تقول "لا" له ولنظامه.

وبالتزامن مع إعلان نتيجة الانتخابات، أعيد تداول مقطع فيديو من أحد خطابات خامنئي في مايو/أيار 2001 على وسائل التواصل الاجتماعي، قال فيه: "إنه لأمر مخزي أن يشارك 35 بالمئة أو 40 بالمئة فقط بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، وهذا يدل على أن الناس لا يثقون في نظامهم السياسي ولا يحترمونه ولا يأملون منه شئ".

تقول سارة كرماني، خبيرة في العلاقات الدولية، لبي بي سي، إن حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، التي اندلعت في البلاد بعد وفاة فتاة صغيرة خلال احتجازها من قبل الشرطة بسبب ما قيل بعدم التزامها بارتداء الحجاب وفق القواعد، جنبا إلى جنب مع إهمال حقوق النساء والأقليات، "لعبت دورا كبيرًا" في تقليل المشاركة في محافظات مثل كردستان وسيستان وبلوشستان.

"لا يمكننا أن ننظر إلى نسبة الـ 60 بالمئة التي لم تصوت على أنها متجانسة، لكن في السنوات الأخيرة، تجاهلت الحكومة حقوق الأفراد وقمعتها بشكل منهجي"، تضيف كرماني.

لا شك أن الإصلاحيين (حركة الإصلاح) لعبوا دوراً حاسماً في معدل المشاركة البالغ 40 بالمئة، حيث حصل مرشحهم على أكثر من 10 ملايين صوت، ومع ذلك، تشير نتائج الانتخابات إلى أن جاذبية الإصلاحيين تغيرت بشكل كبير منذ عام 1997، عندما انتخب الرئيس خاتمي بنسبة 69 بالمئة من الأصوات وكانت نسبة المشاركة 79.92 بالمئة، أو حتى الانتخابات المتنازع عليها في عام 2009 التي شهدت مشاركة بنسبة 85 بالمئة.

ويبدو أن الإصلاحيين لم يعودوا يتمتعون بنفس الشعبية التي كانوا يتمتعون بها في السنوات الماضية، وفشلوا في خلق تأثير واسع في المجتمع وإقناع المترددين، وهذه حقيقة اعترفت بها شخصيات مثل محمد خاتمي نفسه مراراً وتكراراً.

المحافظون وفشلهم في الاتحاد

على وسائل التواصل الاجتماعي، أعرب المحافظون والنشطاء السياسيون المنتمون إلى هذا التيار عن انتقاداتهم الواسعة لأداء مناصريهم .

وأشار الناشط السياسي المحافظ محمد مهاجري، إلى أن مجموع الأصوات للمرشحين المحافظين محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي بلغ إجمالي 12.8 مليون، بانخفاض أكثر من 5.2 مليون صوت مقارنة بإبراهيم رئيسي قبل ثلاث سنوات.

يعتقد بعض المحللين أن جزءًا من أصوات مسعود بزشكيان (المرشح الإصلاحي) جاء من أنصار المحافظين، وعلى الرغم من عدم توفر إحصائيات دقيقة لتأكيد ذلك، فقد أشارت استطلاعات ما قبل الانتخابات إلى أنه إذا انسحب محمد باقر قاليباف، فلن تذهب جميع أصواته إلى سعيد جليلي (المحافظ المتشدد)، مع توقع أن يذهب بعضها إلى مسعود بزشكيان بدلاً من ذلك.

وكتب أحد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي: "سقطت كل معاقل النظام السياسي تقريبًا، وفازت المقاطعة، وحصل بزشكيان على أصوات، وتغير نمط التصويت التقليدي، وتغيرت مواقف القرى، ولم يتم تحقيق أي إنجاز يذكر".

"الأمر الذي يؤلم أكثر من الانخفاض الكبير في المشاركة على مدى السنوات الخمس الماضية هو أن التلفزيون الوطني يصف نسبة المشاركة البالغة 40 بالمئة بأنها" إقبال كبير"، بحسبما صرح صحفي محافظ بارز على منصة إكس.

النتيجة العكسية لانخفاض المشاركة

يرى الكثير من المحللين والسياسيين، ومن بينهم محسن هاشمي، نجل هاشمي رفسنجاني، الذي تولى الرئاسة لفترتين من 1989 إلى 1997، أن انخفاض المشاركة في الانتخابات يعني فوز المحافظين، وأن المشاركة بنسبة 40 بالمئة ستؤدي إلى فوز سعيد جليلي.

ومع ذلك، ستقام الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، حيث حصل المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان على حوالي 10.5 مليون صوت، متقدما على سعيد جليلي بحوالي مليون صوت.

ولمعارضة هذه النظرية، كتب عالم الدين ياسر ميردامادي على وسائل التواصل الاجتماعي: "لم تكن مفاجأة هذه الانتخابات مجرد المشاركة بنسبة 40 بالمئة، بل هزيمة الفكرة المفضلة لدى الحكومة المتشددة بأن "المشاركة المنخفضة تفيد مرشح الحكومة".

وكتب أحمد زيد آبادي، الناشط السياسي والصحفي، مقالاً قصيراً بعنوان "مسؤولية مأساوية وغير مرغوب فيها!" عبر قناته على تيليغرام، منتقدا حملة المقاطعة.

وقال: "إن هذه (الجولة الثانية) تضع مسؤولية ثقيلة غير مرغوب فيها على عاتق منتقدي الوضع الحالي الذين تجنبوا المشاركة في الانتخابات بأي وسيلة!"، مشيراً إلى إمكانية فوز الإصلاحيين لو شارك الناس في التصويت ولم يمتنعوا.

وردَّ مهدي نصيري، ناشط سياسي ومقاطع للانتخابات، على زيد آبادي قائلاً: "إن استمرار النظام المناهض للجمهوريين، القمعي، الفاسد للغاية وغير الفعال، والذي لا يستطيع أي رئيس إصلاحه، يظل القضية الأثقل والأكثر مأساوية بالنسبة لمقاطعي الانتخابات".

2024-06-30T19:56:43Z dg43tfdfdgfd