عودة ترامب.. لماذا تقف الدولة العميقة أمام الولاية الثانية؟

التوقعات قبل المناظرة الرئاسية الأمريكية ذهبت إلى تفوق دونالد ترامب بصورة طفيفة، غير أن الأمور انتهت إلى توجيه ترامب ضربة قاضية إلى جو بايدن.

نتيجة المناظرة تفتح كل السيناريوهات على مصراعيها في المستقبل المنظور.

الديمقراطيون في حالة ذعر كما وصفتها الصحافة الأمريكية، في الوقت نفسه هناك حالة من القلق المتنامي في دوائر الدولة الأمريكية التي توصف بـ"العميقة" من عودة ترامب مجدداً.

ما يدلل على ذلك الجهود الحثيثة على إمكانية إقناع بايدن بالتنحي لقيادة ديمقراطية جديدة، حتى لايخسر الحزب الانتخابات المقبلة.

مع نهاية ولاية ترامب الأولى (2017 - 2021) ظهرت تساؤلات حول أسباب تفضيل بعض القوى المؤثرة في الولايات المتحدة، عدم عودة ترامب للبيت الأبيض مجددا.

وقتها تمحور الحديث حول التغيرات الجذرية التي شهدتها الولايات المتحدة في سياستها الخارجية، والداخلية على حدٍ سواء خلال السنوات الأخيرة.

منذ ذلك الوقت يتحدث أنصار ترامب عن "المؤامرة المستمرة"، التي تستهدف حرمانه من العودة الثانية للبيت الأبيض، بل يسوقون دلائل وإشارات يعتبرها البعض أدلة قاطعة على هذا التوجه.

من ضمنها إجراء عدة ولايات تعديلات في قوانين الانتخاب، لتقليل نسبة المشاركة وسط قواعد ترامب الشعبية، خاصة في الولايات التي كانت ساحات معارك انتخابية 2020. وكذا سبق الإصرار والتعمد في تشويه سمعته وتقليص فرصه السياسبة من وراء تحريك قضايا مالية، وشخصية تتعلق بأعماله التجارية، وممارساته المالية قبل وأثناء فترة رئاسته، وبالفعل أدانت هيئة المحلفين في نيويورك الرئيس السابق دونالد ترامب بكل التهم الـ34 الموجهة إليه في قضية دفع أموال بما يخالف القانون.

وغيرها الكثير من الأدلة الأخرى التي يروجها أنصار ترامب ومن بينها التغطية الإعلامية السلبية التي تهدف إلى تشكيل صورة سلبية عنه في أذهان الناخبين، بالإضافة إلى الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي يُنظر إليها على أنها جزء من جهود أكبر لإسكاته ومنع وصول رسائله إلى جماهيره.

نفوذ وراء الكواليس

بصرف النظر عن منطقية ما يروجه أنصار ترامب، فإن المعطيات التي خلفتها مناظرة "CNN" تشير إلى وجود شبكة واسعة من الأفراد والمؤسسات التي تُمارس نفوذًا كبيرًا وراء الكواليس، تمارس جهودا حثيثة للوقوف أمام عودة ترامب لأسباب عدة:

أولاً: أثارت قرارات ترامب خلال فترة ولايته الكثير من الجدل، حيث اتخذ نهجًا غير تقليدي في التعامل مع العديد من القضايا الداخلية والخارجية، تمثل هذا النهج في عدم استشارة أو المؤسسات التقليدية، مما أدى إلى اهتزاز الثقة بينه وبين العديد من الأجهزة الحكومية.

ثانيا: اتباع إدارة ترامب نهج "أمريكا أولا"، متجاهلة العديد من الاتفاقيات والتحالفات الدولية التي كانت تعتبرها الإدارات السابقة حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية، ما أثار قلق العديد من المؤسسات الأمنية والدبلوماسية التي تعتبر الاستقرار العالمي، وحفظ العلاقات الدولية من أولوياتها.

ثالثا: وجود هوة بين البيت الأبيض والبنتاغون حول قضايا الأمن الدولي، مثل الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وفرض قيود على الهجرة، والانسحاب من التحالفات العسكرية، الأمر الذي كان يقلص دور الولايات المتحدة قوة عالمية وفق رؤية البنتاغون.

رابعاً: ترامب كان معروفًا بتوجهاته الاقتصادية، التي تهدف إلى تقليص نفوذ الشركات الكبرى على الحكومة الأمريكية، ما يرجح عمل تكتلات اقتصادية على منعه من العودة للرئاسة لأنها ترى في سياساته تهديدًا لمصالحها.

خامسا: العلاقات المتوترة مع الحلفاء التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي وكندا، ومحاولة بناء علاقات ودية مع أنظمة تصنفها المؤسسة العسكرية بـ" المعادية"، ما عمق هوة الخلافات بينه وبين الأجهزة الأمنية التي فضلت الابتعاد عن نهجه.

بجانب هذه العوامل دخلت إدارة ترامب في صراع دائم مع وسائل الإعلام الرئيسية، حيث كان يصف بعضها بأنها "عدو الشعب"، وأحدثت نوعاً من الاضطرابات داخل المؤسسات الحكومية، نتيجة قرارات الإقالة المفاجئة للعديد من المسؤولين البارزين.

فضلاً عن اتباع ترامب نهجاً يعتمد على دغدغة مشاعر الجموع المهمشة أو الغاضبة، ما يتعارض مع رؤية النخب الحاكمة، والمؤسسات التي تفضل الاستقرار والتحكم المنظم.

فرص العودة مجدداً

مناظرة "CNN" عززت من فرص فوز ترامب لأنها سمحت له بعرض رؤيته بشكل مباشر وفعال لجمهور واسع، ما ساهم في تعزيز صورته كمرشح قوي وقادر على التصدي لمختلف التحديات الداخلية والخارجية.

الأداء القوي والواضح لترامب خلال المناظرة أكسبه تأييداً إضافياً من الناخبين الذين يتطلعون إلى قائد حاسم.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون المناظرة قد ساهمت في تسليط الضوء على نقاط ضعف منافسيه، مما زاد من تفضيل الناخبين له.

لا يمكن إغفال أيضاً أن استطلاعات الرأي قبيل المناظرة أظهرت الدعم القوي الذي يحظى به ترامب بين قواعد الحزب الجمهوري.

وفقًا لاستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في مايو 2024، فإن حوالي 60% من الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول الجمهورية يفضلون ترامب كمرشح رئاسي 2024.

يعكس هذا الدعم استمرار ولاء قاعدته الانتخابية، التي تراه رمزًا لمبادئ المحافظين وأجندة «أمريكا أولاً».

بيت القصيد.. رغم كل ما يثار حوله، يمثل ترامب علامة بارزة في السياسة الأمريكية منذ بداية الألفية الجديدة. ويوماً بعد الآخر يعزز من فرص عودته الثانية إلى البيت الأبيض.

إذا كانت القضايا الخدمية تمثل حجر الزاوية في ترجيح كفة المرشحين، فإنه في حالة ترامب فإن عوامل أخرى - قد تكون غير سياسية- حاسمة في تحديد ما إذا كان سيعود مجددًا أم لا.

2024-07-01T22:00:08Z dg43tfdfdgfd